أستطيقا الفارابي البصرية ومدى تأثرها بفلسفة الجمال الاغريقية: دراسة استقصائية

الباحث المراسلبدر المعمري جامعة السلطان قابوس
نجلاء السعدي جامعة السلطان قابوس

تاريخ تسليم البحث :2023-03-21
تاريخ قبول البحث :2023-03-22
تاريخ نشر البحث :2024-12-19
تاريخ قبول البحث :2024-12-19
تاريخ نشر البحث :2024-12-24
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

مقدمة

يُعدّ أبو نصر الفارابي (874-950 م) من الفلاسفة المسلمين الموسوعيين الذين تناولوا الفلسفة الإنسانية بشكل متشعّب ومتّسع شمل الطب، والعلوم الطبيعية، والفن، والموسيقى، والوجود، والتاريخ. وهي سمة تبدو متوافقة مع معظم فلاسفة التاريخ حتى مراحل متأخرة مما سمي بعصر التنوير في أوروبا. إلا أن الميزة الأهم هي طبيعة المرحلة التاريخية التي عاش خلالها الفارابي، وقد تميّزت بفكرة التأثر بالآخر عن طريق الترجمة (وافي، 1961، ص11). وبغضّ النظر عن التوصيفات الإنشائية التي منحها المؤرخون للفارابي باعتباره مؤسِّساً لما سُمي بالفلسفة الإسلامية، إلا أنَّ أهم ما قدمه فيما يتعلق بالإسلام هو توفيقه بين الفلسفة والإسلام بعدما فرغ من تشكيل تصور تامّ بالفلسفة خاصّاً به (الطيب، 2010، ص64). وحسب رأي المستشرق الألماني فريدريش ديتريسي (Friederichs Dieterici)، وبعد ترجمة كتاب (آراء أهل المدينة الفاضلة) للفارابي، فإنه لم يكتفِ بالاحتفاء به ضمن حدود الفلسفة، بل ربط بين ما قدمه الفارابي في عصره وبين النهضة العلمية الإسلامية، فنراه يقول: "يجب علينا أن نقر بأنّ الفارابي هو مؤسس الفلسفة العربية، وهو ما اعترف له به معاصروه ومن تبعهم حينما لقّبوه بالمعلم الثاني، فإليه يعود الفضل في إعادة تأسيس العلوم لدى المسلمين" (Dieterici, 1999). 

ومع هذا، فلا يمكن الفصل بين الفارابي وما قدّمه من جهة، وبين الميراث الفلسفي اليوناني وعلى رأسهم ميراث أرسطو. فجاء كتابه الشهير (الجمع بين رأيي الحكيمين للفارابي) الذي يُطلعنا من خلاله مدى استيعاب الفارابي للفلسفة اليونانية، ومقدار فهمه إياها، وموقفه منها، وأسباب ذلك (جبر، 2018، ص 2421). وأمرُ التأثر في ظاهره طبيعيٌّ ومقبول، خصوصاً إذا علمنا بأن معظم الفلاسفة -ممن جاؤوا بعد الفارابي- كانوا متأثرين بفلسفته، وعلى رأسهم الفلاسفة المسلمون والعرب (ابن سينا – الغزالي -ابن رشد- موسى بن ميمون).

ومن المهم أن نستهلّ بناء هذا البحث بالاطلاع على الفلسفتين الأفلاطونية والأرسطية فيما يتعلق بالجَمال، فكلّ من أفلاطون وأرسطو له نظرة خاصة نحو الجمال، فعلى رغم قلة المكتوب فيها من قبل الفيلسوفين فإنهما -على الأقل- قد وضعا الخطوط العريضة لنظرتهما إلى الفن والجمال. وربما كانت فكرة أفلاطون عن الفن يشوبها التشاؤم، وتقليل المكانة، وهو شأن ليس بغريب، حتى أن علي رؤوف جبر (2018) وصف نظرة أفلاطون عن الفن بأنها مختلفة ومتناقضة عن الرؤية اليونانية العامة في عصره. ومما ذكر الباحث في ورقته البحثية التي ناقشت أثر أفلاطون وأرسطو في فلسفة كل من الفارابي والكندي قوله إن" فكرة أفلاطون عن ماهية الفن تختلف عن النظرة العامة، وعن النظرة اليونانية الخاصة، فـالفن إذن تقليـد التقليـد، وأن الفلسـفة أرقى من الفن بكثير؛ لأنها تتأمـل الصـور مباشـرة دون تقليـدها، ويجعـل أفلاطون للفنـون مراتـب، وكـل فـنّ يقتـرب مـن العلـم يكـون أعلـى مـن الفـن الـذي سـبقه الـذي يميـل إلى التمويـه والتقليـد، كمـا أنـه أَولـى اهتمامـاً بالموسـيقى، وعـدّها مـن الأدوات الضـرورية فـي التثقيـف؛ لأن الأثر الأول للموسـيقى هـو إحـداث الانسجام فـي الـنفس الإنسانية، والانسجام هنـا فضـيلة، فالموسـيقى تكـون مسـاعدة للنفس على تحقيق الفضيلة" (جبر،2018).

في مقابل رفض أفلاطون لأهمية الحواس في اكتساب المعرفة أو تذوق الجمال، فإن أرسطو يَعدّ الحواس شرطاً أساسيّاً لإدراك المعارف والجمال على السواء؛ ولذلك جاءت مقولته الشهيرة (المحسوس شرط للمعقول). وعليه فإن الطبيعة وما بها من محسوسات هي مصدر الفن بالنسبة لأرسطو؛ فلا غرابة أن نجده يمجد كلّاً من المحاكاة، وانتظام وترتيب الأشكال، والتناسب في التكوينات، وغيرها من القضايا الجمالية المرتبطة بهيئة الأشكال، إلا أن الموضع الآخر للاختلاف بين أفلاطون وأرسطو يقع في أن رؤية كل منهما لموضع الإبداع الفني مختلفة عن الآخر، فإنه في الوقت الذي نادى خلاله أفلاطون بالنظر إلى الجميل من زاوية الخير والمثل، فإن أرسطو فضّل الواقعية، حتى أنّه رأى التعبير عن القبيح فنيّاً شيئاً جميلاً. ولتوضيح الفوارق الدقيقة بين رؤية الفيلسوفين (أرسطو وأفلاطون) لفكرة المحاكاة أقتبس رأي محفوظ أبو يعلا في منشوره الموسوم بـ(ما هو الجمال؟) حين قال: "وإذا كان أرسطو يرى أن الفنّ محاكاة للعالم الخارجي، فإن أستاذه أفلاطون كان يرى أيضاً أن الفنّ محاكاة، لكنه محاكاة لعالم المُثُل. فالفنّ حسب التّصور الأفلاطونيّ للجميل ينبغي أن يقترب من عالم المُثل الأعلى. ورغم أن أفلاطون يرى أن الفنّ هو محاكاة لعالم المثل، فإنه أدان هذه المحاكاة إذا لم تخضع للفلسفة، فالمحاكاة -حسب أفلاطون- هي في الدرجة الثانية أو الثالثة، تبتعد عن الشكل، وعن المثال. إنّها شبيه خادع مستعمل للإغراء، والإفساد، ولها عواقب وخيمة على التّربيّة؛ لهذا لا يحظى الشعراء والموسيقيون والمصورون والمسرحيون المقلّدون بأي مكان في المدينة الفاضلة في جمهورية أفلاطون" (أبو يعلا، 2017). 

لقد أصبحت هذه النظريات محوراً تدور حوله النظريات اللاحقة فيما يخص الجمال والفن، ولم يكن الفارابي بعيداً عن تأثير تلك النظريات. إلا أنه لا بد من تمحيص كل ما له علاقة بالجمال والفن لدى الفارابي من زوايا مختلفة لتبيان حجم التأثر الذي وسم نظرياته وفلسفته. وعليه يقترح الباحثان لبناء هذه الدراسة عدة مباحث تفصيلية من خلالها يمكن قراءة فلسفة الجمال لدى الفارابي، وهي كما يلي: 

  1. ارتباط نظرية الجمال بالوجود وقيم الخير من خلال مذهب الفيض. 
  2. كيفية الوصول إلى إدراك الجميل. 
  3. المخيلة في نظرية الجمال. 
  4. المحاكاة في نظرية الجمال. 
  5. علة الفن عند الفارابي.
  6. شكل الفن عند الفارابي. 

سوف يحاول الباحثان في الأجزاء القادمة من الدراسة استقصاء تلك المباحث، ومن خلالها سيتسنّى في نهاية المطاف وضع تصور شامل لنظرية الجمال لدى الفارابي

أسئلة البحث

تحاول هذه الدراسة الإجابة عن السؤالين الآتيين:

  • إلى أي مدى تظهر حالة تأثر فلسفة الفارابي المتعلقة بنظرية الجمال بالفلسفات الإغريقية التي سبقته؟ 
  • كيف يمكن أن نؤطر إسهامات الفارابي الخالصة فيما يتعلق بفلسفة الجمال، وتجاوز التأثر بفلسفات الجمال القديمة عند الإغريق؟ 

أهداف البحث: 

تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق ما يلي: 

  • تهدف هذه الدراسة إلى استقصاء وتمحيص فلسفة الفارابي الجمالية، وخصوصاً ما يرتبط منها بالفلسفات الإغريقية الكلاسيكية. 
  • تحاول هذه الدراسة أن تسهم في استكشاف تميز نظرية الفارابي الجمالية عما سبقها من نظريات كلاسيكية، وخصوصاً تلك المرتبطة بالتراث الإغريقي. 

أهمية البحث: 
      من خلال أهداف الدراسة، تأتي أهمية المباحث الـستة التي سبرها الباحثان في تأطير نظرية الجمال لدى الفارابي، وهو أحد أهم الفلاسفة المسلمين الأوائل ممن تطرق إلى نظرية الجمال في مراحل التلاقي الثقافي بين الشرق والغرب، كذلك فإن فلسفة الفارابي كان لها الأثر الكبير في الفلاسفة المسلمين اللاحقين، مما جعل من الأهمية أن تُستخدم فلسفته أساساً مستقبليّاً لتلك الفلسفات، خصوصاً أن تلك الفلسفات كانت أكثر إمعاناً في الاتصال بالموروث الغربي. 


المبحث الأول: ارتباط نظرية الجمال بالوجود وقيم الخير من خلال مذهب الفيض
       جاءت نظرية الجمال لدى الفارابي مرتبطة بشكل وثيق بالوجود، وأنه بمجرد حدوث ذلك الارتباط أصبحت قيم الخير موضعاً مركزيّاً في نظريته. إلا أن ما يميز ذلك الارتباط ويؤطره هو تأثر الفارابي بما عُرف بنظرية الفيض؛ ولذلك ظهر الربط جليّاً بين نظرية الفيض التي أسّسها الإغريق من قبل، وبين نظرية الجمال في دراسات عدة، فكما يذكر مناد طالب (2012) في دراسته: "أن التجربة الجمالية عند أبي نصر الفارابي تنكشف من خلال نظريته العامة في الوجود، وهي نظرية استمدها من أفلوطين (205-270 م) وتأثيره فيه ظاهر لا يخفى على أحد، وهي التي تُعرف بنظرية الفيض، ومُؤدّاها أن الفيض يتم من وجهين: فيض من حيث الوجود، وفيض من حيث المعرفة" (طالب،2012). 
       إن حضور فلسفة (نظرية) الفيض لدى الفارابي تتشابه مع فلسفة الفيض كما قدمها الإغريق؛ فمصدر الجمال الحقيقي عند الإغريق يقع في عالم المثل (العالم المثالي للآلهة) فقط. ويرى أفلاطون مثلاً أن الروح تتذكر حياتها في عالم المثل، فكلما رأت وجها جميلاً اشتاقت لذلك الفيض الجمالي؛ ولذلك أصبح الجمال الأسمى والأوحد عند أفلاطون يوجد في عالم المثل حيث الآلهة (فيلالي ودعيش،2021، ص 485). يتضح من خلال ما قدمه الإغريق أن فلسفة الفيض تعتمد اعتماداً كبيراً على التدرّج في المستويات، فهو مذهب يقوم على القول بأن الموجودات في عالمنا الظاهريّ أو الروحيّ صدرت أو فاضت عن الأول، أي عن الله، في حالة مشابهة لفيض نور الشمس عنها، وقد فاضت هذه الموجودات عن الله على مراتب متدرجة، وليس دفعة واحدة، كل يفيض عمن هو أكبر منه حتى نصل إلى ما هو أدنى (زيادة،1986، ص 663). ومن ثَم فإن الجمال جزء من الموجودات، سواء إذا أدركنا الجمال بالحواس، أو كان الجمال مدركاً غريزيّاً وُجد مع الإنسان كجزء من تكوينه. وعليه يتضح -من أغلب المراجع التي استقصت نظرية الجمال وعلاقتها بنظرية الفيض- أنّ أصل منشأ الربط بين هذين الطرفين تمثَّلَ في مجمله من خلال جهود فلاسفة الإغريق، فقدّمَ كل من أفلاطون وأرسطو وأفلوطين وبطليموس تصورات تشير إلى فلسفة التدرج والمستويات من الأعلى إلى الأدنى بوصفه تصوراً، وإن كان أفلوطين أكثرهم عطاء في هذا المذهب (زيادة،1986، ص 663).
       نستطيع أن نفهم علاقة نظرية الفيض بالجمال، وإدراك الجميل من خلال تطبيق شأن المراتب كما ظهرت لدى أرسطو، وأفلوطين، وحتى الفارابي. فلن يكون الجمال مختلفاً عن الموجودات الحسية والعقلية فيما يتعلق بالتدرّج من الأجمل إلى الأقل جمالاً. إلا أن ما ميّز نظرية الفارابي للجمال -المرتبط أصلاً بنظرية الفيض- هو توجّهه نحو تقليل أهمية جمال المادة التي وصفها بالكدر. وعليه أصبح لدينا تصور أقرب إلى طبيعة الفارابي الصوفية التي تحاول دائماً إزالة كل ما هو مادي مكدر، ووضع التقدير الروحي مكانه. فكون الله يمثّل وجود مجهول بالنسبة إلى الإنسان -بوصفه مكوّناً ماديّاً ظاهريّاً- فإن أقصر الطرق لإدراكه هو إزالة كل ما هو مادي مكدر؛ ليسهل الشعور بجماله. ربما جاء اقتباس أكرم جلال كريم (2020) موضِّحاً تلك التراتبية عندما قال: "إن مُطلَق الكمال هو دائم الفَيْض على الوجود بأكمله من جماله وكماله، وكلّ يملأ وعاءه، لذلك فالاختلاف بين الأشياء إنما هو بسبب سعة الوعاء، فالفيض واحد والمصدر الرحمن، وبمُقتضى نظرية الفَيْض -أن الشيء إذا اكتمل أفاض- فإنك حينما تقف عند شيء جميل قد تجسَّدت فيه صفات الجمال والكمال فإنك إنما تقف عند وَمْضة ورشحة من ذلك الجمال المُطلَق، وهذا الشيء كذلك حينما يمتلئ سيفيض جمالاً، ولا غَرابة أن تقف عنده لتملأ وعاءك، وتًكمل به سَيْرك نحو مصدر الفَيْض والجمال" (أكرم كريم،2020).
       إلا أننا لا نستطيع أن نلمس ذلك الفرق الجليّ في نظرية الفيض بين الفارابي وسابقيه من الفلاسفة الإغريق بوجه الخصوص، فيبدو أن كل ما قدمه الفارابي في هذا المنحى هو تطبيق نظرية الفيض وأثرها الجمالي في النموذج الإسلامي. ولم يتبقَّ من فلسفة الفارابي فيما يتعلق بنظرية الفيض إلا رؤيته الإيجابية في تمييز الإنسان عن باقي المخلوقات التي فاضت عن الله، إذ رأى أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي بقي مجتهداً لتجنّب الشهوات؛ بغية الرجوع إلى أصل الفيض (وهو الله)، وهذا ما يفسّر فكرة انتخاب الله للإنسان لحمل أمانة العبادة كما رأت فلسفة الفارابي. والجدير بالإدراك هنا هو أن الجمال ما هو إلا مكون قد فاض هو أيضاً من الأصل (وهو الله)، وأن الإنسان -في رحلته نحو العودة إلى أصل الفيض- لا بد أن يكون الجمال الذي ارتضاه الله وفضّلَه هو ما سوف يفضّله الإنسان أيضاً، لهذا كانت الفكرة السائدة بأن الفارابي طالبَ الإنسان بالتجرّد من المادة وكَدَرها كما ذكر سابقاً. لذلك يصادق مناد طالب على ذلك بقوله: إن "الفن/الجمال لا يخلو من أن يكون -في نظر أبي نصر الفارابي- عملية تعليمية تأديبية جادّة تهدف إلى تحقيق القيم الخيّرة في الأشياء الجميلة معنوية كانت أو حسية..." (طالب، 2012، صـ 13). ولكي يؤطّر الفارابي نظريته الخاصة بالجمال -وعلاقتها بنظريته الدينية والمسماة (الفيض)- قدّم ما سماها (المعرفة الإشراقية)، وبمقتضاها لا يكون هدف الجمال الحقيقي هو الخير والاصلاح بعيداً عن النزوات والغرائز. إن الفن الذي سوف ينتج عن (المعرفة الحسية) التي تعدّ الندّ للمعرفة الإشراقية سوف يكون فنّاً مبتذلاً، وعليه يُعلي الفارابي المعرفية الإشراقية، ويراها الأداة التي ستعيد الإنسان وتقديره الجمالي إلى أصل الفيض، وهو الله في هذه الحالة. 
 

المبحث الثاني: كيفية الوصول إلى إدراك الجمال كما رآه الفارابي 

يتضح مما وجده الباحثان أن الفارابي -فيما يتعلق بإدراك الجميل- كان واقعاً بين نظريتي العقل (وهي مما أخذه من أرسطو)، ونظرية المثل (وهي مما أخذه من أفلاطون)، وقد أكد ذلك مناد طالب بقوله: "يرى الفارابي أن للإنسان قوًى، منها القوة الناطقة التي تتلقى الصور من العقل الفعال، وبها تدرك المعقولات، وبها تميز بين الجميل والقبيح، وهو في هذا الفهم يجمع بين ما ذهب إليه أرسطو في نظريته في العقل، وما ذهب إليه أفلاطون في نظرية المثل ..." (طالب، 2012، صـ6).
لا يمكن الاختلاف على أهمية نظرية المعرفة عموماً وموضوع العقل خصوصاً عند الحديث عن آلية إدراك الجمال لدى الفارابي، فمن خلال شرحه لمراتب العقل جعل المرتبة الأولى لما سماه (العقل الهيولاني)، فَرَبَطَ الإدراك به. ومن جملة المدركات التي ارتبطت بالعقل الهيولاني كان إدراك الجميل والقبيح، فميّز الجمال من خلال قدرة هذه المرتبة من العقل البشري. فنجد ذلك صريحاً في كتابه (آراء المدينة الفاضلة) بقوله: "يمكن بها أن تُعقل المعقولات، ويُميَّز بين الجميل والقبيح، وبما يحوز الإنسان من الصناعات والعلوم" (الفارابي،1995). إلا أننا لا يمكن أن نكتفي بهذا التعميم فيما يتعلق بإدراك الجميل كما أشار إليه الفارابي في كتابه، فإن التوضيح قد ورد أيضاً في ذات الكتاب في أحد فصوله عندما تحدث الفارابي عن (القول في المادة والصور) في الباب الثاني عشر من كتابه (الفارابي، 1995، صـ 57). فبات لدى الفارابي قناعة تامة بارتباط المادة بالصورة وأن كليهما يفقدان قيمتهما عند غياب أحدهما عن الآخر. إن الجمال الفني الملموس في الأشياء من حولنا لا بد من رؤيته عياناً، فالصورة تكمل المادة، والمادة لا أثر لها من دون الصورة، ولذلك نجد الفارابي قد وضح ذلك بقوله: "كل واحد من هذه قوامه من شيئين: أحدهما منزلته منزلة خشب السرير، والآخر منزلته منزلة خلقة السرير، فما منزلته منزلة الخشب هو المادة والهيولي، وما منزلته خلقته فهو الصورة والهيئة، وما جَانَسَ هذين من الأشياء، فالمادة موضوعة ليكون بها قوام الصورة، والصورة لا يمكن أن يكون لها قوام ووجود بغير المادة. فالمادة وجودها لأجل الصورة، ولو لم تكن صورة ما موجودة ما كانت المادة. والصورة وجودها لا لتوجد بها المادة، بل ليحصل الجوهر المتجسم جوهراً بالفعل" (الفارابي،1995، صـ57). وفي الحقيقة نجد الفارابي قد عاد هنا إلى الإغريق أيضاً، فلم يجد لتصور المادة وكينونتها مصدراً غير المكونات الأربع للهيولى، وهي الماء والنار والتراب والهواء، وهذه المكونات عائدة بشكل تام إلى الرؤية الإغريقية القديمة التي اعتمدها الفارابي، وإن كان قد أضاف إلى ذلك اعتقاده بخلق الله لتلك المكونات الأربع. ولا نستطيع أن نفصل رؤيته تلك عن أي شيء يتعلق بالجمال، وخصوصاً الملموس منه، ولذلك نجد الفارابي فيما يتعلق بإدراك الجميل معتمداً -في غالب الأمر- على النظرة الإغريقية.

 

المبحث الثالث: المخيلة في نظرية الجمال لدى الفارابي


  سيطر الترابط بين الحواس والعقل من جهة، وبين المخيلة لدى الفارابي، حتى أن زكاء مردغاني في كتابه (الفن عند الفارابي) قال: "لكن المخيلة التي تبدع الفن عند الفارابي لا تستطيع بلوغ ذلك الفن إلا إذا اتبعت العقل بسبب من قصورها المعرفي عنه؛ وذلك بسبب اقترابها من الحس، فالذي يضبط عمل المخيلة هو العقل، بل إن قوى النفس الحاسة والمتخيلة ما هي إلا خادمة للعقل" (مردغاني،2012، صـ 35). إلا أن مردغاني وضع الحواس شرطاً رئيساً لحصول التخيل لدى الفنان، فنراه يؤكد ذلك عندما ذكر بأن شرط تلقّي الفن أن تستند المخيلة إلى المادة المحسوسة لإظهار خيالاتها، فلا يكتفي الفنان بالتخيل، إذ لا بد من التعبير عما تخيله تعبيراً يبلغ حواس المتلقي أيضاً، ويبلغه خطابه، فالظهور أو التجلي الحسي للمطلق المتخيل هو ما يحدد ماهية الفن لدى هذا الفيلسوف، وهو ما خلصت إليه معظم النظريات الجمالية لاحقاً (مردغاني،2012، صـ 39). 
إن حديث الفارابي عن المخيلة أو الخيال دائماً ما تكون مصحوبة بحديث عن قوة غامضة تدفع بها، وهي غالباً تلك القوة الخفية التي يقف الله خلفها. ولذلك نجد أن المخيلة لدى الفارابي تلتقي مع محفزات بيولوجية (معتمدة على الدماغ) ونفسية سيكولوجية (بوستا،2007، ص8). ويتضح الفرق الجلي بين القوة الحاسة والقوة المتخيلة التي تحدّث عنها الفارابي بأن القوة المتخيلة تمتلك سمات تكفل لنا الحصول على مشاهد مركبة أكثر تعقيداً في بعض الأحيان من الأشكال الطبيعية التي ترصدها القوة الحاسة المدفوعة بالحواس التي نعرفها (بوستا،2007، ص 8).
إن رؤية الإغريق حول مفهوم الخيال ليست متشابهة فيما بينهم أصلا قبل أن نراها مقارنة بما قدمه الفارابي، فإنه في الوقت الذي ظهر خلاله أفلاطون مشككاً في الخيال وقيمته، كان أرسطو على العكس تماماً، فقد رأى أن الخيال أداة سامية من أدوات المعرفة الإنسانية. فالخيال والتخييل لدى أفلاطون لم تتحدد معالمهما بشكل واضح، ولم يرقَ الخيال عنده؛ بسبب تصوره للمحاكاة إلى مستوى الطاقة الإنتاجية، والملكة الخلاقة (النحال،2000). وربما يكون ذلك سبباً حقيقيّاً لتمجيده للمحاكاة من ناحية، وسبباً أيضاً لتدنّي تصنيفه للفن والإبداع الفني بداعي تقليد الصور الأصلية للأشياء. وبالرغم من وجود محاولات أخرى تبعت أفلاطون، وناقضت رؤاه الفلسفية حول الخيال، فإن ما قدمه أرسطو في كتابه (في النفس) يُعدّ انتصاراً حقيقيّاً لهذه الملكة، ودورها في صنع الفن والجمال. فكما ذكر مصطفى النحال قولة: "مع أرسطو، لم يعد الخيال سجينَ مفهوم المحاكاة، وسجين النماذج والنسخ، بل أصبح له وضع اعتباريّ خاصّ ومتميَّز. لقد تخلص من وضعية اللاوجود التي أسندها إليه أفلاطون، وصار موجوداً باعتبارها وسيطاً يلعب دوراً أساسيّاً بين الفكر/العقل والإحساس" (النحال،2000، ص4).
لقد بنى أرسطو منهجه في الخيال على أساس متين، اعتمد أساساً على معارضة فكرة أفلاطون عندما فصل الأخير النفس عن الجسد. وعليه أصبح لدى أرسطو اساس يعتمد عليه، ألا وهو أثر الإحساس على صناعة الصور المتخيلة، فكان الإحساس ممثلاً في حواسنا الخمس جزءاً لا يتجزأ من أجسادنا، وفي المقابل كانت الصورة المتخيلة أثراً نتج عن تلك الأحاسيس بشكل موثوق. يتضح ذلك في رأي هيلين فيدرين بقولها: "وهذا الاشتراك في ملكة الإحساس هو الذي يجعل عنصرَي الخيال والرغبة مرتبطَين ارتباطاً دائماً. الرغبة تفترض الخيال، وتعمل على إثارة الحركة؛ لأن الإحساس قد يكون بالمتعة، أو بالألم. والخيال -بِدَوره- يتصل بذاكرة أولية، تختزن الصور وتتلاءم ومحيطها المباشر"(فيدرين،1990). إن الحس المشترك مهم للغاية في نظرية أرسطو، وهو الطريق الوحيد الذي يُمهّد للتخيّل لاحقاً، فإنه بعدم اجتماع الحواس سيكون من الصعب إدراك المدركات، وبعبارة أخرى سوف تتكاثر المدركات مسبِّبة حالة تشتّت، فالكرسي الذي تجلس عليه لن يكون مُدرَكاً ما لم تره وتلمسه (بناءً على الحواس الملائمة لإدراكه)، ولكن في المقابل سيكون الحس المشترك أكثر دقة لو زاد عدد الحواس، فالزهرة ستحظى برؤية البصر، ولمس الأصابع، وشمّ الرائحة، وعليه سيكون إدراكها أكثر سهولة. وكلما كانت المدركات قابلة للإدراك بحواس متعددة ومشتركة في ذات الوقت، أَسْهَمَت لاحقاً في صناعة صور متخيلة أكثر وضوحاً. 
لقد اعتمد الفارابي على نظرية أرسطو بشكل متكامل، وقد تجلى ذلك من خلال إيمانه بفكرة الحواس المشتركة، وأنه كلما شهد عددا أكبر من الحواس على إدراك شيء ما كانت صورة المتخيلة أكثر وضوحاً. كذلك فإن الفارابي التقى بشدة مع وجهة نظر أرسطو فيما يتعلق بتدخل الجوانب الفيسيولوجية والروحية في صناعة الخيال، وتنشيط المخيلة، فلم يكن يرى الخيال مكوناً قادماً بشكل مستقل عن الإنسان كما لو كان جزءاً من الروح. إلا أن الفارابي التقى بشكل بسيط مع أفلاطون فيما يتعلق بدور المصدر الأعلى في بعث ملكة الخيال أصلاً، فكان الله مصدراً لقوة تلك الملكة، وباعثاً لها. وحتى إن اشترك الفارابي مع أرسطو في رؤيته للمخيلة بشدة -ومع أفلاطون فيما يتعلق بالمصدر الباعث للمخيلة- فإنه يمكننا القول بأن نظرية التخيل الفارابية كانت مستندة بشكل كبير على المنظور الإغريقي في مجملها.

المبحث الرابع: المحاكاة في نظرية الجمال لدى الفارابي

 
لقد كانت فلسفة الفارابي الجمالية قد اعتمدت على المحاكاة في سبيل تحقيق الإبداع، وقد كانت بالنسبة إليه أداة المخيلة لتحقيق الابتكار، وقد تحققت عبر الحواس والعقل معاً. فكما رأى مردغاني (2012)، تبدو المحاكاة جوهر الفعل الإبداعي عند الفارابي، فالفنون جميعها تقوم على المحاكاة، وهي العمل الضروري للمخيلة التي هي القوة الإنسانية القادرة على الخلق والابتكار، اذ إنها تحفظ رسوم المحسوسات، وتعيد صياغتها محاكية ما أدركته بالحواس أو بالعقل (مردغاني، 2012، صـ41). وقد أكد الفارابي بأن المحاكاة بالنسبة إليه لصيقة بالفنون جميعها، وينطبق عليها ذات المفهوم المذكور، ولذلك ينقل عنه مردغاني القول: "إن المحاكاة هي جوهر كل من فني الشعر والتزويق، وان اختلفا في وسيلتهما الأقوال والأصباغ"(مردغاني،2012، صـ 42). ومن خلال الاقتباسات السابقة ندرك أن المحاكاة شأن مهم بالنسبة للفارابي من أجل تحقيق الإبداع، سواء في الفن البصري الملموس، أو في الشعر وما شابهه، إلا أن مفهوم المحاكاة مختلف تماماً عن مفهوم أفلاطون الذي طالب بمحاكاة عالم المثل، وعدّ كل محاكاة لأي شيء -مهما كانت معبرة أو صادقة- لن تكون بتاتاً مكتملة كما هو ظاهر في الشيء الأصلي الذي تمت محاكاته؛ لذلك طّور أفلاطون التراتب الثلاثي، فجعل عالم المثل (عالم الإله) في الأعلى، وسماها دائرة الحقائق الكلية، ومن ثم تبعتها دائرة المحسوسات، وهي دائرة عالمنا المادي المحسوس والواقع، وأخيراً دائرة الفنون (وهي موضع المحاكاة لعالم المثل الدائرة الأولى، ولكنها محاكاة لم ولن يكتب لها بلوغ عالم المثل) (عصام قصبجي، 1981م، ص48). وعليه نجد سيد قطب قد بين ذلك بقوله: "وتتبلور فلسفة أفلاطون في الفن فيما أسماه بالمحاكاة، فالفنون عنده محاكاة للواقع الذي ھو محاكاة لعالم المثل، فالرسام عندما یرسم سریرا إنما یحاكي السرير الذي صنعه النجار الذي بدوره حاكى صورة السریر كما ھي في عالم المثل، وبھذا یكون الفن محاكاة للمظھر لا للجوھر، وبالتالي فھو خداع وتشویه" (قطب، 1990، ص 216).


وهنا يختلف أفلاطون مع أرسطو، إذ قدم أرسطو مفهوماً أكثر مرونة وجاذبية أَسهمَ في تشكيل منطلق أكثر اتساعاً للإبداع، فقدم مفهوماً للمحاكاة يتيح فرصة محاكاة الأشياء حسب رؤية منفّذ العمل الإبداعي، فسمح بمحاكاة الشر والواقع المظلم للإنسان أسوة بمحاكاة المثل. وهو بذلك وضع مبدأ الواقعية، وقدّمه على الاستعلاء والتحقير لكل ما هو واقعي إنساني أرضي، فقد كانت كما تبدو نظرة أفلاطون قاسية، ولا ترى الخير إلا في عالم المثل. وبذلك اختلف أرسطو عن أفلاطون فيما يتعلق بالمحاكاة عندما أصبحت نظرته أكثر علمية وتجريبية من نظرة أفلاطون الغائية الصوفية البعيدة عن الواقع. وكما قال في هذا الشأن محمد أبو ريان (1985): "وتجدر الإشارة ھنا إلى أن أرسطو كان على رأس من نجحوا في الربط بین الفن والحیاة؛ وذلك لأن نظریته في المحاكاة قائمة على مبدأ محاكاة الطبیعة، وھذا معناه أن الفنان یستمد وحیه وإلھامه من الواقع، شریطة أن تكون المحاكاة منقحة معتمدة على التخیر، وھذا دلیل على وجود فرق شاسع بین الواقعیة الساذجة التي تصور الواقع تصویراً مرآویّاً یشبه عمل آلة التصویر، والواقعیة النقدیة الرامیة إلى تعدیل الواقع، والسمو والارتقاء به" (أبو ريان، 1985، ص 82). وهو رأي أكده من قبل شوقي ضيف (2004) عندما دافع عن اتهام أرسطو بازدراء المحسوسات، وقال بأن هذا الفيلسوف كان يقف غالباً عند المحسوسات، وأن محاكاته ليست المحاكاة التي تطابق الأصل تمام المطابقة، وأيضاً فإن الطبيعة لا تحاكي شيئاً وراءها، وصوّر كيف أن المحاكاة للطبيعة تبدّل وتغيّر فيها (ضيف، 2004، ص 64).

 
ومن خلال النظرتين الأفلاطونية والأرسطية للمحاكاة نجد أن الفارابي كان أقرب للمفهوم الأرسطي، إذ رأى الفارابي بأن المحاكاة أداة للابتكار، والتعبير الوجداني، وليست بالضرورة أداة لبلوغ المثل، أو الاقتراب منها؛ لذلك غاب مفهوم نسخ الشيء لدى الفارابي عندما تحدث عن المحاكاة، وهو أمر يلتقي من خلاله بأرسطو الرافض هو أيضاً لفكرة الاستنساخ المحض. ولذلك نجد محمد القرقوري (2016) يطرح تساؤلاً مفاده: "وإذا كانت المحاكاة هي مبدأ كل خلق أو إبداع شعريّ وفنيّ -كما هو واضح من كلام الفارابي- فهل ذلك يعني أن الشعر والفن مدارهما يقف عند حد استنساخ الواقع ونقل معطياته؟ الواقع أن ما تنطق به النصوص -أعني أقوال الفارابي وأقوال ابن سينا وابن رشد كلها- تفيد عكس ذلك، فالمحاكاة في فهم أبي نصر لا تعني أبداً نقل ما في الواقع، أو استنساخ معطياته، ذلك أن ما يؤكده الفارابي هو أن ما تعكسه المحاكاة إنما يقف عند حدّ المشابـهة والمماثلة بمعناهما البلاغي؛ لأن هدفها فنيّ" (القرقوري،2016، ص 66). 
 

المبحث الخامس: علة الفن عند الفارابي     

فيما يتعلق بشأن علة الفن لدى الفارابي تجدر الإشارة إلى أهمية ما قدّمه مردغاني (2012) في كتابه (الفن عند الفارابي)، فقد كانت محاولة مردغاني ناجحة في تأطير علل الفن لدى هذا الفيلسوف، وعليه يمكننا الاستئناس في هذا الجزء من الدراسة برأي مردغاني؛ لاستكشاف علة الفن لدى الفارابي. بصورة عامة رأى مردغاني أن علل الفن عند الفارابي يمكن تقسيمها إلى أربع علل: وهي علة اللعب، والمتعة، واللذة، وعلة التربية الخلقية، وعلة سعي الإنسان للكمال بوصفه هاجساً أزليّاً، والعلة الميتافيزيقية التي من خلالها يصل الإنسان إلى السعادة (مردغاني،2012، صـ64).  وكانت علة المتعة واللعب واللذة من أهم علل الفن، إلا أنها علة تسهم في راحة الإنسان استعداداً للجد، وعليه فإن هذه العلة ما هي إلا وسيلة، وليست غاية كما رآها الفاربي (مردغاني،2012، صـ67). أما حديثه عن العلة النفعية الخلقية، فقد قرن الفارابي بين الجمال والنفع والخير، وعليه أصبح الجميل هو النافع ما دام الخير غايتهما، وقد أشار الفارابي إلى أن اقتران الجمال بالنفع في سبيل الخير هو المسوغ الأول لنفع الجميل الفني (مردغاني،2012، صـ 75). وبذلك يصبح في نظر الفارابي النافع هو الأجمل، إذ يقول خالد عبد الوهاب ناقلاً نصّاً عن الفارابي قوله: "فإن الأنفع والأجمل فهو للضرورة لغاية فاضلة، والأنفع في غاية ما فاضلة هو الأجمل في تلك الغاية" (عبد الوهاب، 2014، صـ 37). كذلك رأى مردغاني بأن الفن الكامل هو الذي يحقق اللذة للإنسان الذي يجد اللذة حيث يجد الكمال؛ لأنه فُطر على السعي وراء الكمال في نهاية المطاف (مردغاني،2012، صـ 88). واختتم مردغاني رأيه في علة الفن لدى الفارابي بقوله: "بدت السعادة لدى الفارابي غاية الغايات، فهي الغاية التي تؤثر لأجل ذاتها.. إنها مصير الغايات كلها، وإليها تصبو النفس الإنسانية في أصل جبلتها"(مردغاني،2012، صـ 89). 

وبعد أن استعرضنا علل الفن لدى الفارابي، لا بد من البحث عن علل الفن لدى الإغريق؛ لتبيان ما إذا كان أثرهم فيه تامّا ونهائيّاً، أو أن إضافات الفارابي كانت مؤثرة ومختلفة عن آرائهم. ولنبدأ بمحاورة أفلاطون لفايدروس التي من خلالها تبيّن أن علة الفن لدى أفلاطون قد تأسست على إمعان نظر الإنسان للطبيعة؛ بغية بلوغ الكمال، ولهذا نجده في تلك المحاورة يقول: "إنّ كلّ الفنون ذات الشأن تستلزم المناقشة، وإمعان الفكر في الطبيعة، وفي السماء، وبهذا تحصّل على السموّ الفكري، والكمال الصحيح" (أفلاطون،2000). وقد رأى فؤاد زكريا (1988) بأنه مهما كانت هناك علل متداخلة ضمن حوارات أفلاطون، إلا أن علة الفن العليا والنهائية لدى أفلاطون هي الأخلاق. وفي كتابه الأشهر (غاية الفن)، رأى محسن عطية نفس رأي فؤاد زكريا في أهمية تقديم الأخلاق على اللذة بالنسبة لعلة وغاية الفن عند أفلاطون (عطية، 1991، ص 32)، وعليه فإن رأي أفلاطون -الذي يقتضي اتجاه الفن نحو تحقيق الكمال- ما هو إلا خطوة في اتجاه بلوغ عالم المثل. 

وقد نقلت لنا إلهام بكر في دراستها (الفن الفاضل عند أفلاطون: غاياته التربوية والأخلاقية والسيسيولوجية) رأي جیروم ستوليز (1981) الذي رأى أن "غاية الفن عند الحكيم اليوناني هي أن يوجّه الناس نحو الخير، وينفّرهم من الشر، وأن يكون داعية من دواعي الفضيلة يُصلح من عادات الناس، ويقوّم أخلاقهم، ومن ثم يكون للفنان رسالة أخلاقية، أو إنسانية، أو اجتماعية من شأنها أن تعلم الناس، وتسهم في تربيتهم، والارتفاع بمستواهم الأخلاقي" (بكر، 2021، ص 74).  وعليه بالعودة إلى كل هذه السمات للفلسفة الأفلاطونية -ورأيِ الفيلسوف في غاية الفن- لا أجد أي أهمية للعروج إلى فلسفة أرسطو في ذات الشأن، فقد ظهر أن الفارابي تقريباً قد تبنّى فلسفة أفلاطون بشكل تام فيما يتعلق بغاية الفن وعلته. وربما كان السبب الرئيس لهذا الالتقاء بين أفلاطون والفارابي يعود إلى التأطير المتكامل في فلسفة أفلاطون، واهتمامه المطلق بالموسيقى، فقد كان شأن الموسيقى شأناً محوريّاً في فلسفة الفارابي ومؤلفاته، وخصوصاً فيما يتعلق بآرائه في الجمال (ما كتبه الفارابي حول الجمال في الموسيقى يتجاوز كثيراً ما كتبه حول الجمال في الفنون البصرية التشكيلية)، لذلك يبدو أن الفارابي وجد ضالته في فلسفة أفلاطون حول غاية وعلة الفن أكثر من غيره من فلاسفة الإغريق.  

وحتى إنْ عرّجنا إلى تلميذ أرسطو سنجده -فيما يتعلق بغاية وعلة الفن- قريباً من معلمه أفلاطون، فكما قال الباحث المغربي إبراهيم ونزار (2019) -ملخصًا علة الفن لدى أرسطو- إن غاية الفن عند أرسطو أخلاقية بشكل تام، وكان منتهى سعي أرسطو هو استثمار الفنون في التنشئة والتربية والتعليم، وهو بذلك يؤدي إلى تنمية إمكانات العقل، ويهذّب الذوق والأحاسيس. كذلك أكد ونزار بأن غرض الفن لا ينفصل عند أرسطو مهما بلغ قيمته الإبداعية عن غاياته التربوية، والأخلاقية (ونزار،2019، ص 6). وعليه فإن ما قدّمه الفارابي يمكن أن يتلاقى مع الحكيمين كما اعتاد أن يسميهما، فغاية الفن لدى الثلاثة أفلاطون وأرسطو والفارابي تكاد تكون متوائمة ومتشابهة، حتى وإن تعددت التفاصيل الصغيرة

 

المبحث السادس: شكل الفن عند الفارابي 

عند الحديث عن شكل الفن من الناحية الظاهرية لدى الفارابي لا بد أن نحتكم في البداية إلى تأسيس مفاده بأن الفارابي كان قد قدّم الكثير فيما يتعلق بفلسفة الموسيقى، وعلى النقيض فإن ما قدمه في فلسفة الفن التشكيلي يُعدّ محدوداً نوعاً ما، على الأقل مقارنة بالموسيقى. لقد استعمل الفارابي مصطلحات مثل (الرقش / التزويق)؛ للتعبير عما نسميه اليوم بالرسم والتصوير، وارتبط بالنسبة إليه بالتجريد في أغلب الأحيان، ولذلك يتبين أنه داعم حقيقي لنظرية تجريد الواقعي التي مهّدت لاحقاً إلى بناء حقل علمي وفلسفي سُمي بالفن الإسلامي (مردغاني، 2012، صـ 114). ولذلك نجد مردغاني في ذات الموضع من كتابه ينصّ بالقول: "ويبدو المنظور الروحي مطلقاً في الرقش العربي، ففي التكوينات الهندسية تصبح الأشكال الواقعية مجردة ومطلقة عندما تنقلب أشكالاً هندسية تتداخل فيما بينها بتناسق جميل، منفصلة تماماً عن مدلولها وعن أبعادها ..." (مردغاني، 2012، صـ 114). 

إلا أن التجريد ليس كله متشابهاً لدى الفارابي من الناحية الشكلية، فهناك مواضع كثيرة في فلسفة الفارابي تشير إلى ميل إلى الجانب العضوي في التشكيل مقارنة بالجانب الهندسي. فالخطوط المنحنية أكثر جاذبية من الناحية الفنية التشكيلية من الخطوط المستقيمة الهندسية، أي أقرب إلى علة الفن ومقاصده التي تحدثنا عنها سابقاً.  وقد ظهر جليّاً إيمان الفارابي بالخطوط المنحنية المستديرة أكثر من الخطوط المستقيمة في التعبير الفني والجمالي؛ وذلك لارتباط تلك الخطوط بفكرة اللانهائية، وبالمقارنة مع الخط المستقيم فإن الخط المنحني يظهر أكثر غنًى بنفسه عما سواه، خلافاً للخط المستقيم الذي يقف ويتناهى بغيره، فيضطر إلى الخضوع لسواه كما ذكر الفارابي (مردغاني، 2012، صـ 115).

لا شك أن مصطلح اللانهائية -الذي تحدث وأشار إليه مردغاني واصفاً مبدأ الفارابي في تفضيله للخطوط المنحنية -يجعلنا بسهولة نتجه إلى البحث عن جذور هذا الفكر لدى الإغريق. فما تشير إليه المراجع أن فيثاغورس الساموسي (٥٧٠–٥٠٠ قبل الميلاد) عندما أسس ما أُطلق عليها لاحقاً بالفيثاغورثية كان قد اهتم بشأن اللانهائية من خلال الرياضيات الهندسية التي شيّد بنيانها (ولاس،2021). إلا أن مبدأ اللانهائية عند الحديث عن الأشكال والخطوط قد تمَّ تأطيره بعد فيثاغورس على يد كلّ من يودوكسوس وتلميذه أرخميدس عندما ابتكرا فكرة (خاصية الاستنفاد)، التي تقوم على تقريب مساحة شكل ٍمنحنٍ عن طريق مقارنته مع مضلعات منتظمة، ومن خلال هذه العملية يُمكنهم حساب مساحاتها بدقة تامة (ولاس،2021). وهكذا كلما زاد عدد أضلاع الشكل المضلع في الدائرة التقى في النهاية بالدائرة ذاتها كما يظهر مثلاً في الشكل (1). وعليه نستطيع أن ندرك أن الفارابي كان متأثراً بفكرة (خاصية الاستنفاد) من خلال نموذج الدائرة، وهي الشكل المنحني الأدق على مر العصور. وحتى إن كان أرسطو من الفلاسفة الإغريق رافضي فكرة اللانهائية إلا أن ذلك لا يعني أن المدرسة الإغريقية في هندسة الأشكال والرسوم كانت رافضة لتلك الفكرة.   


شكل1: صورة توضح (خاصية الاستنفاد) التي قدمها الإغريق على يد كل من يودوكسوس وتلميذه أرخميدس، وهي تفسر رؤيتهم لفكرة اللانهائية في الأشكال. 

خاتمة: 
  لكي نختتم علينا الانطلاق من السؤال الآتي: كيف نظر الفارابي لفلسفة الجمال من زاوية إسلامية متجاوزاً فكر الفلسفة الإغريقية؟  
يقول باكنجي (2021): "إن الآراء الكلامية المطروحة من قِبَل المعاصرين للفارابي من المسلمين -وحتّى المعاصرين له من غير المسلمين- لم تكن تسعى كثيراً وراء تقديم تفسيرٍ وشرح ديني للأصول والقواعد الفلسفية بشأن سلسلة مراتب خلق العالم، وتقديم تقرير للخلق الأول، وإنما كان الهدف الرئيس منها هو الإجابة عن السؤال المطروح في مجال ماهية الإبداع. ويبدو أن نظرية الفارابي بشأن الإبداع مضافاً إلى كونها تقريراً قائماً على نظرية أفلاطون-أفلوطين، وتصرُّفاً على أساس مواءمتها مع التفكير الكلاميّ الإسلامي، والفلسفة الأرسطية أيضاً، إلا أنها -من حيث تركيب الألفاظ- قد استفادت من النصوص الدينية الإسلامية" (باكنجي،2021، ص 8). 
    في الحقيقة من الصعوبة أن نفصل ونفكك العلاقة بين الفارابي والفكر الإغريقي، وحتى إننا عندما وجدنا من يطرح أطروحات تشير إلى تمييز فلسفة الفارابي عن فلسفة الإغريق وجدناهم -في ذات النصوص أحياناً- لا يستطيعون تجنب الإغريق، وأثر فلسفتهم في الفارابي. وليكن مثالاً على ذلك عبد الرحيم مفكير (2013): "ولهذا نجد الفارابي -وتوافقاً مع التصور الإسلامي للفن والجمال- يجعل من الألوهية مصدراً للجمال، وبكيفية توافق إلى حدٍّ ما، ما ذهب إليه من بعدُ الفيلسوفُ الألماني هيجل الذي رأى أن الجمال هو مظهر الله على الأرض، وهو إذ يفعل إنما وجدناه يحرر الفن من نظرية المحاكاة اليونانية للطبيعة الأرسطية خاصة التي جعلته شكلاً من أشكال المحاكاة للواقع". فالنص أعلاه يشير إلى وجود فوارق بين فلسفة الفارابي فيما يتعلق بمصدر الجمال، وبين فلسفة أرسطو القائمة على المحاكاة. إلا أن الحقيقة بأن فكرة الإله -بوصفها مصدراً للجمال- أيضاً قدمها الإغريق قبل أرسطو، فما فلسفة أفلاطون المثالية التي جرى الحديث عنها في متن هذا البحث إلا مثل صريح على التشابه بين فلسفة الفارابي وأفلاطون المثالية، مع اختلاف طبيعة الإله المعبود لدى الفيلسوفين. ولهذا ما تزال هناك معضلة حقيقية لتقديم نظرية خاصة بالفارابي دون أن تكون مرتبطة بفلسفة الإغريق الجمالية. وعليه يقترح الباحثان قيام باحثين متخصصين في نظرية الجمال الإسلامية بتقصّي المباحث التي قدمها الباحثان في هذه الدراسة؛ لتعميق دراستها من كثب وتدقيق، وصولاً إلى تمحيص نظرية الفارابي حول تلك المباحث، واستكشاف إضافاته الذاتية التي تميز فلسفته عن فلسفة الإغريق. 

 

 

المراجع:
أبو ريان، محمد (1985)، فلسفة الجمال ونشأة الفنون الجميلة، مصر، دار المعرفة الجامعية. 
أبو يعلا، محفوظ (2017) ، ما هو الجمال؟ ، مجلة حكمة الإليكترونية ، مؤسسة مؤمنون بلا حدود.
أفلاطون (2000)، محاورة فايدروس لافلاطون أو عن الجمال، مصر، دار غريب.
أنيس، فيلالي (2021)، جماليات المثال واشراقات الفيض عند أفلاطون، مجلة علوم اللغة العربية وآدابها، المجلد 13، العدد 1، صـ 485-497.  
بكر، إلهام (2021)، الفن الفاضل عند افلاطون: غائيتة التربوية والأخلاقية والسيسيولوجية، مجلة الاستغراب، عدد 21، صـ 75-86. 
بوستا، عزيز (2007)، مفهوم الخيال عند الفارابي، المغرب ، منشورات المركز الجهوي.
جبر، علي (2018). أثر الفلسفة الأفلاطونية والأرسطية في اتجاهات الكندي والفارابي الفكرية، مجلة كلية التربية السياسية للعلوم التربوية والانسانية  بجامعة بابل، العدد 41، صـ 2421- 2433. 
زكريا، فؤاد (1988)، آفاق الفلسفة، لبنان، دار التنوير للطباعة والنشر.
زيادة، معن (1986)، الموسوعة العربية الفلسفية، المجلد الأول (الاصطلاحات والمفاهيم )، ليبيا، معهد الإنماء العربي. 
ضيف، شوقي (2004)، في النقد الأدبي ، مصر (الطبعة التاسعة)، دار المعارف. 
الطيب، أحمد (2010)، الجانب النقدي في فلسفة أبي البركات البغدادي، مصر، دار الشروق. 
عبد الوهاب، خالد (2014)، فلسفة الجمال في فكرأبو نصرالفارابي (870-950 م(، مجلة دراسات بجامعة قسطنطينة، المجلد 5، العدد 1، صـ 31-48.  
عطية، محسن (1991)، غاية الفن، مصر، دار المعارف.  
الفارابي، أبو نصر (1995)، آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها، تقديم علي بوملحم، لبنان،  دار ومكتبة الهلال. 
القرقوري، محمد المعطي (2016)، مفهوم المحاكاة بين أرسطو والفارابي وابن سينا وابن رشد، مجلة الحداثة وما بعد الحداثة الاليكترونية. 
قصبجي، عصام (1981)، أصول النقد العربي القديم، سوريا، منشورات جامعة حلب. 
قطب، السيد (1990)، النقد الادبي: أصوله ومناهجه، مصر، دار العربي للنشر.
مفكير، عبد الرحيم (2013)، الفن عند الفارابي، دراسات وبحوث حركة التوحيد والإصلاح. 
النحال، مصطفى (2000)، من الخيال إلى المتخيل: سراب مفهوم، مجلة فكر ونقد، العدد 33، صـ 73-88. 
وافى، علي (1961)، المدينة الفاضلة للفارابي، مصر، لجنة البيان العربي.
والاس، ديفيد، (2021)، كل شيء وأكثر: تاريخ موجز للانهائية، مؤسسة هنداوي للنشر. 
ونزار، ابراهيم (2019)، مفهوم الفن: رصد تاريخي، مجلة دراسات مؤمنون بال حدود الاليكترونية. 
 

Abdulwahab, Khalid (2014). The philosophy of beauty in the thought of Abu Nasr Al-Farabi (870-950) (In Arabic). Journal of Derasat Qastantenia University, l 5 (1), 31-48.  
Abu Rayan, Mohammed (1985). Philosophy of beauty and the origins of Fine Arts (In Arabic). Egypt, Dar Almarifa Aljamia.   
Abu Yalaa, Mahfooth (2017). What is beauty? (In Arabic). Wisdom Journal Online. Believers Without Borders Foundation.
Al-Farabi, Abu Niser (1995). Opinions of Utopians and their Opposites (In Arabic). Lebanon, Dar Al hilaal.
Altayab, Ahmed (2010). The critical aspect of the philosophy of Abu al-Barakat al-Baghdadi (In Arabic). Egypt, Dar Alshrooq. 
Alsyyd, Qutob (1990). Literary criticism: its origins and approaches (In Arabic). Egypt, Dar Alarabi Publications.
Alnahal, Mustafa (2000). From fantasy to the imagined: a mirage of a concept (In Arabic). Journal of Thought and Criticism, (33), 73-88. 
Alqarqori, Mohammed Almuati (2016). The concept of imitation between Aristotle, Al-Farabi, Ibn Sina, and Ibn Rishd (In Arabic). The Electronic Journal of modernism and postmodernism. 
Anees, Felali (2021), Aesthetics of the example and the radiance of the Emanationism by Plato (In Arabic). Journal of Arabic Language Sciences and Literature. 13, (1), 485-497. 
Biker, Elham (2021), The virtuous art of Plato: his pedagogical, ethical, and physiological aims (In Arabic). Journal of Alasteghrab, (21), 75-86.  
Bosta, Azeez (2007). The concept of fiction by Al-Farabi (In Arabic). Morocco, Algahawi Centre Publications. 
Dhif, Shoqi (2004). In literary criticism (In Arabic). Egypt, Dar Almarif. 
Dieterici, F. (1999). Alfarabi's: Philosophische Abhandlungen (In Arabic). Institute for the History of Arabic-Islamic Science. 
Hélène Védrine (1990). Les grandes conceptions de l’imaginaire. Biblio, Essais, Paris, , p42.
Jabir. Ali (2018). The impact of platonic and Aristotelian philosophy on the intellectual trends of Al-Kindi and Al-Farabi (In Arabic). Journal of the Faculty of Political Education of Educational and Humanitarian Sciences. at the University of Babylon, (41), 2421-2433.  
Plato (2000). Phaedrus's conversation with Plato or about beauty. (In Arabic). Egypt, Dar Ghareeb.
Qasabgi, Asaam (1981). The origins of ancient Arabic criticism. (In Arabic). Syria,  Halab University Publications. 
Mifkeer, Abdulraheem (2013). Al-Farabi's Art (In Arabic). Studies and Research of the Unification and Reform Movement. 
Mohsin, Atiya (1991). The Purpose of Art (In Arabic). Egypt, the House of Knowledge.
Wafi, Ali (1961). The Ideal city of Al-Farabi (In Arabic). Egypt, Arab statement committee. 
Wallace, David (2021). Everything and more: A Brief History of Infinity (In Arabic). Hindawi Publishing Corporation. 
Winzar, Ibrahim (2019). The concept of art: a historical observation (In Arabic). Journal of Electronic Frontier studies. 
Zakariya, Foiad (1988). Horizons of Philosophy (In Arabic). Lebanon, Dar Tanweer for printing and publishing.
Zeada, Maain (1986). Arabic Philosophical Encyclopedia, (conventions and concepts) (In Arabic). Libya, Arab Development Institute.